رسالة إلى الفنانة أمل مثلوثي بمناسبة حفلاتها في الضفة الغربية المحتلة
بقلم: حيدر عيد
أخاطبك بشكل شخصي، وليس كناشط مقاطعة، وكمعجب بدأت الاستماع لأغانيك منذ فترة ليست بالقصيرة.
لا شك أنك تعلمين أن زيارتك للأراضي الفلسطينية المحتلة لتقديم أكثر من حفل بها قد أثارت العديد من العواصف داخل تونس بشكل خاص، وفي العالم العربي بشكل عام. التساؤل البديهي يدور حول اعتبار هذه الزيارة نوعاً من أنواع التطبيع، أم تضامناً مع أهل فلسطين المحتلة. من الطبيعي أن هناك من سيعتبرها تطبيعاً واضحاً، وقد يذهب أبعد من ذلك ويصف الزيارة بـ (الخيانة) كونها تأتي في هذا التوقيت بالذات مع كل الزبايع السياسية التي تعصف بإسرائيل و الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67. ولكن، وفي الطرف الأخر، هناك من سيعتبرها مساندة للصمود الفلسطيني في مواجهة التهويد والاستعمار والنضال ضد احتلال الضفة الغربية منذ عام 1967.
ومن الطبيعي أن أعتبر أن الأهم في هذا الموضوع هو الموقف الفلسطيني. ومن الجدير بالتذكير هنا بأن المرجعية لتعريف التطبيع هي اللجنة الوطنية للمقاطعة التي تضم الغالبية الساحقة لتحالفات مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني بالإضافة لهيئة العمل الوطني الإسلامي. وكانت اللجنة قد اعتمدت التعريف الذي عملت على صياغته الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، التي أتشرف بعضويتي في لجنتها الاستشارية، والذي ينص على أن (التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصاً للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني. وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية،...)
وباعتماد معايير المقاطعة المخصصة للعالم العربي فإن اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمار منها لا تعتبر أن زيارتك إلى الضفة الغريبة عبر تصريح دخول تطبيعاً وفق معايير مناهضة التطبيع المقرة من قبل الغالبية الساحقة من المجتمع الفلسطيني منذ العام 2007. وكما تعلمينفإن اللجنة نا تعتبر ما قمت به تطبيعاً على أساس تفرقتها بين الختم على "التصريح" الخاص الذي تصدره سلطات الاحتلال، والختم على جواز السفر كدولة "طبيعية". ولكن، وهنا مربط الفرس، فإن اللجنة الوطنية تعتبر أيضا أن مواقف لجان وحملات المقاطعة في الدول العربية ملزمة لسكان هذه الدول حتى وان كان سقف التعريف أعلى مما اعتمدته لجنة المقاطعة الوطنية نفسها. وبناء عليه يجدر بنا أن نأخذ بالحسبان موقف النقابات والأحزاب والقوى الشعبية والفنية وحركة المقاطعة في تونس، والذي هو موقف واضح وضوح الشمس. حيث أنها دأبت على التأكيد في أكثر من مناسبة على الموقف الشعبي التونسيالرافض لأي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل بما في ذلك زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومن المهم الإشارة هنا في هذا السياق أن سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.4مليون مواطن ممنوعون تماما من زيارة الضفة الغربية ومدينة القدس. حتى أن 70% من سكان القطاع (تحت سن 18) لم يزوروا الضفة على الاطلاق، في حين يتكرم الاحتلال و يسمح لك، كما سمح لصابر الرباعي من قبلك، بهذه الزيارة من خلال تصريح يملك وحده الحق بإصداره.
أمما لا شك فيه أن زيارتك هذه ستستغل من حملة الهاسبرا (الدعاية) الاسرائيلية الممولة من قبل وزارة الشئون الاستراتيجية، و التي تعمل جاهدة على تصوير منظومة الأبارثهيد و الاستعمار الإستيطاني على أنها دولة حضارية، ديمقراطية، تمارس فيها الفنون بحرية. وأن القدس، وهي جزء من الضفة الغربية، مفتوحة لجميع الديانات على الرغم من كونها (العاصمة الأبدية) للدولة!
في الوقت الذي تصدر به العديد من التقارير من مراكز بحثية إسرائيلية تحذر مما تطلق عليه (شبكة عالمية تسعى لنزع شرعية الدولة العبرية)، حيث تعاني اسرائيل من عزلة دولية متنامية نتيجة لجهود نشطاء حركة المقاطعة وشركائهم الدوليين، هناك من يعمل، بعلم أو بدونه، على تبييض وجه الاحتلال القبيح والملطخ بدماء أطفال غزة المحاصرة و جنين البطلة! فالمجتمع المدني الدولي لم يعد يغض الطرف عن جرائم اسرائيل بحق أهل الضفة وغزة. بل أن بعض المتضامنين قد دفعوا حياتهم ثمنا لهذا التضامن. فما هي الرسالة التي توجهينها كفنانة عربية تقف أمام جندي إسرائيلي منتظرةَ ختمه للسماح لك بدخول الضفة الغربية؟ وقد يكون هذا الجندي ينتمي الى نفس القوات التي دمرت العشرات من مسارح غزة وقتلت العشرات من فنانيها!
أي تضامن هذا الذي يأتي بختم اسرائيلي؟ بحسب إجراءات الدخول التي تتبعها السلطات الإسرائيلية فإن أي (زيارة لفنان/ة عربي/ة تتم بالتنسيق مع السلطات في إسرائيل). وبما أن المقارنة مفيدة في هذا السياق، فان حملة مناهضة الأبارتهيد في جنوب أفريقيا، والتي نستلهم الكثير من دروسها كانت تنتقد بشدة اي زيارة يقوم بها مواطن غير جنوب أفريقي حتى للمدن السوداء، مثل سويتو، ابان نظام التفرقة العنصرية البغيض. وكانت تعتبرها فعلا تطبيعياً فاضحاً وبامتياز. تطبيعاً يعمل على تجميل وجه النظام العنصري والتسويق لسياساته المعادية للانسانية.
كان من الأكرم لفنانةٍ في مقامك أن تزور قطاع غزة المحاصر منذ 16 عاماً. فهذا هو المعيار الحقيقي هذه الأيام للتضامن مع الشعب الفلسطيني. فغزة، لمن لا يعلم بعد(!)، محاصرة بلا كهرباء، ولا ماء، أو دواء، أو وقود. وقد ازدادت شدة الحصار في الفترة الأخيرة بشكل أدى لانخفاض حاد في عدد الأدوية المتوفرة. ألا يستلزم هذا موقفا تضامنيا من الفنانين/ات العرب/يات؟ أو على الأقل البدء بحملة من أجل إقامة حفل فني بالقرب من السلك الشائك المحيط بالقطاع حيث يقوم الجنود الذين ستتبادلين أطراف الحديث معهم على جسر اللنبي و الحواجز ياستهداف أطفال و نساء غزة؟
لا شك أنه قد تم التنسيق لك مع الاحتلال، على الرغم من الادعاء أنك لم تتلقينتأشيرة دخول اسرائيلية وأن جواز سفرك لم يختم، أو أنك قمت باستخدام جوازك الأمريكي. ولكن السؤال الذي يجب طرحه وان كان ساذجاً هو هل كان من الممكن القيام بتلك الزيارة دون موافقة الاحتلال؟ طبعاً لا. فدائما ما تؤكد سلطات الاحتلال الاسرائيلي أن زيارات العرب تتم بالتنسيق مع وزارة الدفاع الاسرائيلية، وبإشراف شرطتها وقوات أمنها، وانه لا يمكن لأي شخص الوصول للضفة بدون علم وموافقة السلطات الاسرائيلية. هل هذا (الحق) بالزيارة الذي اكتسبته كمواطنة وفنانة عربية ينطبق على كل من أراد القيام بالصلاة في المسجد الأقصى مثلاً؟ وبناء عليه، هل يستطيع من قام (بالتنسيق) لزيارتك فعل نفس الشيء لاي لاجئ فلسطيني يرغب في زيارة الضفة الغربية المحتلة؟ أم أن علينا تحويل 6 مليون لاجئ الى فنانين حتى يكتسبوا هذا الحق!
أكثر ما يثير القلق في زيارتك هذه أنها تأتي في زمن التطبيع الفج الذي تقوم بعض الحكومات العربية و الذي يهدف لتصفية القضية الفلسطينية بالكامل. التساؤل الذي يخطر ببال البعض إن كنتِ قد تواصلت مع لجان المقاطعة العربية للاطلاع على مواقفها من هكذا زيارات؟
أستاذة أمل،
كان الأحرى بك عدم محاولة الحصول على إذن، "تصريح" من سلطات الاحتلال للدخول لإقامة حفل موسيقي في الضفة المحتلة، او استخدام جولزك الأمريكي، حيث أننا نحن أهل غزة لا يسمح لنا بهذه "الرفاهية" التي يتكرم الاحتلال بمنحها لبعض الفنانين/ات العرب/بات، فنحن نُذبح يومياً على مرأى ومسمع عالم عربي رسمي فقد القدرة على السمع والرؤية. وآخر ما نريده هو أن نفقد الحصن الأخير من دعم عربي شعبي تعمل إسرائيل على اختراقه بشتى الطرق.